حزننا موسمي وانتقائي ، حزننا كذاب يرتفع ويهبط على مزاج قناة
الجزيرة !
حزننا بائس لا يقيم صلب قلوبنا !
وكان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول :
"لكل شيء زكاة ، وزكاة القلب الحزن"
والفضيل كان قاطع طريق ، ثم تاب وقاطع كل الدروب إلا الصراط
المستقيم !
كان صادقا في حزنه ، حزينا في صدقه فأبكى هارون الرشيد حتى كادت
تفيض نفسه !
ولو أننا تبنا وسلكنا الصراط ، ودفعنا زكاة قلوبنا حزنا وصدقا
لأبكينا الملوك ، ولم نكن بحاجة للخروج في مظاهرة منظمة يحرق فيها
علم مصر ، ويشتم حسني مبارك !!
تماما مثل ما كانت الكويت تشتم قبل سنوات معدودة ،
وتماما "أكثر" كما سيشتم في غزة أخرى "صقر العروبة"!! لأن
التاريخ يعيد نفسه ، ولأن الدنيا ما زالت تعلمنا ولا نتعلم ،
وما زلنا نبيع الشمس ونشتري شمعة ، ثم نلعن أحجار الطريق حين
نتعثر !
نحن لا ندفع زكاة قلوبنا إذا حال الحول وبلغت النصاب ، نحن ندفعها
حين يتم تذكيرنا ، فندفع ما تيسر منها لــ شريط إخباري ، وخبر
عاجل !
حزننا أقل صدقا من ذاك اليهودي الذي قال في مزموره :
" نسيتني يميني إن نسيتك يا أورشليم"
وأوصى بنيه أن يجعلوا قبره قبلة لأورشليم ، كي تبتل عظامه حين
يجتمع بنيه بعد الشتات في وطن واحد ، وتكون الأرض لإبراهام
وأبنائه كما جاء في العهد القديم !
وهكذا كان ..
وأصبح أبناؤه يرتلون مزاميره في أورشليم ، وينقبون وجه الأرض بحثا
عن هيكل سليمان ، ليعيدوا بنائه ، ويبصقوا في وجه بابل ونبوخذ
نصر!!
نحن فقط أقل صدقا من ثيودور هرتزل الذي هلك في الرابعة والأربعين
من عمره ، لأنه لم يكن ينام ولا يستريح ، وكأن "يهوه" قد بعثه
لغرض واحد هو إقامة وطن قومي ليهود الشتات !
قلوبنا تنسى كابول وبغداد وغزة ، ولا نقيم الحد على قلوبنا !
وعلماؤنا يعيشون طويلا ، ويموتون على أسرتهم وبين أبنائهم !
يخرجون في المظاهرات ، يصدرون البيانات ، ويناشدون المجتمع الدولي !
يبكون على غزة ويدعون لها الله أن يفك الحصار الظالم عنها ، ثم
يدعون لولي الأمر بالتمكين !
وحين قلت مثل هذا الكلام لأحدهم قال لي " أتريدنا أن نسكت ؟! "
وأنا لا أريد شيئا ، ولا أحد حتما يستشيرني قبل إلقاء قصيدة أو
الخروج في مظاهرة !
فاصرخوا جميعا على حنجرة رجل واحد ، حتى يصبح المدى فم !
واكتبوا جميعا على قلم رجل واحد ، حتى تصبح البحار محبرة والرمل
دفتر !!
وأنا أيضا سأقول أن أكبر مستفيد من كل هذا هما ليفني وأولمرت ،
فمثل هذه المظاهرات أفضل طريقة للتنفيس عن الاحتقان الشعبي
بطريقة سلمية تضمن أن يذهب الجميع بعد ذلك إلى غرفهم ليناموا
بضمير مرتاح وقلب حي ، بعد أن "صرخوا" في سبيل الله ، وجاهدوا فيه
حق جهاده !!
ويقسمون بالله أنه فقط لو تم فتح باب الجهاد ، لقاتلوا اليهود ولو
بالحجارة ! ولو فُتح باب الجهاد ونوافذه ما خرج من أهل هذه
المظاهرات ما يشكل سرية !
المشكلة ليست في حسني ولا في معبر رفح ،
المشكلة أننا دوما نتابع المشهد الأخير ، ونهمل بقية الفصول
ننسى أن للهزيمة مقدمات ، كما أن للنصر سنينا من السهر
والدموع .. والإخلاص !
ننسى الزارع ، ونقدس من يقطف الثمرة !
نعتقد أن صلاح الدين هم من حرر القدس ، وننسى رجلا يدعى نور
الدين محمود ، كان الناصر جنديا في جيشه ، ويرتجف حين يذكر اسمه !
محمود الذي كان يسجد لربه ويقول :
"اللهم انصر دينك ، ولا تنصر محمود ، فمن محمود الكلب حتى
تنصره ..؟! "
سقط من ذاكرتنا محمود ، ومن قلوبنا الدين ...
فشتمنا حكام العرب ، ولم نشتم قلوبنا وحزننا الموسمي الذي يرتفع
ويهبط حسب مزاج قناة الجزيرة !!
.
.
منقول