وصل عدد ضحايا العمليات الإرهابية في الجزائر، من فيفري 2007 إلى الآن، إلى 213 قتيل، 72 منهم سقطوا بين جوان وأوت من سنة 2008 وحدها.
يلاحظ تسجيل هدوء استمر من ديسمبر 2007 (موعد الهجوم على مقر الأمم المتحدة بالعاصمة)، إلى جوان 2008 (موعد عملية رأس جنات بولاية بومرداس) لتتصاعد وتيرة العمليات بحدة لم يسبق لها مثيل منذ سنوات عديدة، حدة حولت ولايات شرقي العاصمة إلى منطقة غير آمنة أعادت صورة سنوات الإرهاب السوداء التي عاشتها الجزائر في تسعينات القرن الماضي.
وبشيء من الاحتراز وتقدير تفاوت الوضعيات والنسب، تكون الجزائر من أوائل الدول التي تشهد تصاعدا في العمليات الإرهابية والعنف المسلح إلى جانب عدد محدود من الدول، وتأتي في الصف الثالث، بعد العراق وأفغانستان من حيث نشاط ما يسمى بالقاعدة، هذا إذا اعتبرنا تبني أغلب عمليات السنتين الماضيتين من طرف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
فباستثناء العراق، أفغانستان (على اعتبار أن ما يجري في باكستان امتداد للحرب الأفغانية) والجزائر، هدأت الأمور في كل البلاد التي يفترض أن يكون تنظيم القاعدة منتشرا فيها، مثل مصر والأردن والعربية السعودية، وبقية بلدان المغرب العربي من ليبيا وموريتانيا إلى المغرب الأقصى، ثم القارة الأوروبية، إذا أدخلنا في الحساب تهديدات القاعدة وتصريحات قدامى مسؤولي أجهزة الأمن ومصالح المخابرات، ومقالات الصحافة وحتى تصريحات رجال السياسة على أعلى المستويات.
وعلى هذا الأساس، لا يطرح المشكل الأمني في هذه البلاد إلا من قبيل الخطر الذي من المحتمل أن تشكله القاعدة، ولم تتجاوز ذلك إلى التنفيذ إلا في حالات قليلة، كتلك العملية التي وقعت في الأردن سنة .2006
أما في الجزائر، فإن المشكلة الأمنية تطرح بالحدة نفسها التي طرحت فيها في السنوات الماضية، أيام الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا) وقبل الهدنة بين الجيش الوطني الشعبي، وبين الجيش الإسلامي للإنقاذ (الأئياس).
كما أن المشكلة تطرح مع إدخال عناصر جديدة لم تكن موجودة من قبل: كالسرعة الكبيرة في رد الفعل من قبل الجماعات الإرهابية، والدقة الكبيرة في إصابة الأهداف، واستعمال أسلحة جديدة وفائقة الفعالية تتمثل في الانتحاريين، بالأحزمة الناسفة والسيارات والشاحنات وحتى الدراجات النارية المفخخة.
ومن العناصر الجديدة أيضا أن بلاد القبائل أصبحت هي المركز الذي تنطلق منه التفجيرات إلى العاصمة وما جاورها بعد أن كانت العاصمة تشكل، إلى جانب جهات عديدة في وسط وغرب البلاد، المركز. وهكذا بعد هدنة الجيش الإسلامي للإنقاذ، وتبخر الجيا، وإعادة هيكلة الجماعة السلفية والدعوة والقتال، تحولت المدية وعين الدفلى، ومدن غيليزان وتيارت وسعيدة إلى مناطق آمنة. وفي الشرق الجزائري عادت جيجل، بنسبة كبيرة، إلى واحة سياحية، بينما تحولت سكيكدة إلى موطن من مواطن نشاط جماعة درودكال. وقس على ذلك ولاية تبسة التي كانت هادئة مطمئنة في التسعينات وساخنة ملتهبة في السنوات الأخيرة. دون أن ننسى أن لقاعدة بلاد المغرب نشاطا كثيفا في الصحراء الكبرى.
ويلاحظ أن شدة استئناف نشاط الجماعات الإرهابية في الجزائر تزامنت مع موعد انتهاء المهلة التي حددها ميثاق السلم والمصالحة ''للتوبة'' والرجوع عن حمل السلاح، يعني مع بداية السنة الماضية. إذ في الوقت الذي بدأ فيه الحديث عن نجاح مشروع رئيس الجمهورية، وعن عودة المسلحين إلى الصواب، وفي الوقت الذي بدأ فيه الحديث عن محاولات للتفاوض مع قادة الجماعة السلفية للدعوة والقتال، في هذا الوقت جاءت عملية الثالث عشر من فيفري 2007 بمنطقة تيزي وزو لتذكر السلطة أن هذه الجماعة غير معنية بميثاق السلم والمصالحة، ثم توالت العمليات لتذكر وزير الداخلية، ومعه جميع الأجهزة الأمنية، أن الأزمة لم تنته.
الذي حدث أن الجماعات الإرهابية استعملت فواصل الهدنة ومهلة ميثاق السلم لتعيد هيكلة نفسها، ثم لتعود من جديد بتسميات وأهداف ووسائل جديدة.
الخبر