البحث عن امرأة مفقودة!..
عندما رأيتها خفق قلبي بعنف ، وانبعثت الحياة في روحي دفعة واحدة ، وكأني طفل يولد الآن ..
إنها هي!..
إنها أحلام!..
روحها التي تشعشع حولها أيقظت روحي ، وصوت خطواتها الواثقة التي تطرق الرصيف في وقار تنساب إلى سمعي كالإيقاع ..
لقد عادت أحلام..
عادت إلى المدينة التي هجرتها ، عادت إلى الناي الذين آمنوا بها ، وأحبوها ..
كما يعود الصبح بعد ليل حالك..
كما تشرق الشمس يعد خريف طويل..
وانبثق الأمل في أعماقي كمارد خرج لتوه من قمقه الضيق ليعدني ببقية سعيدة لهذا العمر البائس
الذي قضيته وأنا أعدو خلف أحلام..
وتحركت في القلب أشواق ظمأى ، وجعلت ترفرف بأجنحة رشيقة من الفرح حتى كادت تحملني إلى فضاء بهيج..
وانطلقت خلف أحلام بخطوات لهفى ، وأرسلت نحوها النداء تلو النداء..
_ أحلام .. توقفي يا أحلام..
لم تقف! لم تنتبه!.. صوتي المبحوح لم يبلغ أذنيها ، ومضت بخطواتها الواثقة وجلالها القديم ،
وتابعت طريقها دون أن تلتفت!..
كررت النداء غير عابئ بالعيون التي حاصرتني متسائلة أو مستنكرة ، ودفعت خطواتي خلف النداء لتلحق بها
.. أردت أن أمسك بها قبل أن تضيع مني كما ضاعت أول مرة ، قبل أن تنسل كالشعاع ،
ناديتها بحرقة الملهوف ولوعة المشتاق ، لكن ندائي أخفق مرة أخرى في إيقافها..
لا أصدق أنها لا تسمعني وخطواتها تطرق سمعي كصوت المطر عندما يدق أبواب الأرض؟!..
تمهلت قليلا .. هل تتجاهلني ؟ أم أنها وارتني حلف جدران النسيان!.. ولسعني خاطر كالعقرب .. لعلها تزوجت!.
لعل قلبها قد اتصل بقلب رجل آخر ، فألغت كل إحساس بالغيرة!!..
وألهبت خطواتي بسياط الذعر والقلق بجنون ، فاندفعت خلفها أصدم هذا وأتجنب تلك..
-أحلام.. توقفي يا أحلام.. أنا صلاح.
تجاهلتني!.. أو أنها لم تسمعني!.. لعلها ساهمة ذاهلة عما حولها ، تنبش الذكريات القديمة ،
وتبحث فيها عن قصص عاشتها في هذه المدينة ، وأطياف عايشتها عبر رحلة الحب والعذاب
التي أرهقت قلبها المرهف الرقيق أو أنها تستخرج حبها الخالص من تحت أنقاض الماضي
، لتنفض عنه غبار السنين ، وتقدمه لي طاهرا متوهجا عميقا كما كان..
وحثثت الخطا خلفها حتى أدركها ، ناديتها بنبرة تقطر لهفة وشوقا..
التفتت إليَّ كالتي بوغتت ، ورمقتني بنظرات يعيث فيها التساؤل والإنكار!..
شعرت فجأة وكأني أهوي من شاهق إلى بلا قرار ، والنقبض قلبي فسحق بين جدران كل
ما انبثق فيه من آمال ، واستحالت الفرحة الوشيكة دموعا تزدحم في عينين زائعتين!..
إنها ليست هي ، إنها ليست أحلام!!
الدكتور عماد زكي